الأربعاء، 28 يناير 2015

ابليس (بين الجن والملائكة)

      اختلفت الأقوال بين العلماء حول كون ابليس من الجن أم من الملائكة،وكانت حيرتهم ناتجة عن الجمع بين الآيات اما على سبيل توهم التعارض،أو على سبيل تناسي بعض الحالات الحكائية في اللغة،وهنا نعرض لتمام الحقيقة ان شاء الله تعالى.                         قال  ـ تعالى ـ "الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"الفاء هنا سببية ،اي سبب امكانية عصيان ابليس لأمر الله وفسوقه أنه من الجن ،والجن مخير كالانس له حرية الطاعة أو المعصية ،أما الملائكة فلا مجال لها لرفض السجود اذ هي مجبولة على الطاعة ،ودليل ذلك أيضا قوله ـ تعالى ـ "ما منعك ألا تسجد اذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "فابليس يرى أن خيريته على آدم جاءت من أصل الخلقة المغايرة ،فابليس خلق من نار وآدم خلق من طين ،وهنا فصل خطاب آخر اذ أن الملائكة خلقت من نور بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "خلقت الملائكة من نور ،وخلق الجان من مارج من نار ،وخلق آدم مما وصف لكم "أي الطين ،وبذلك فابليس جني ما في ذلك شك ،أما قوله ـ تعالى ـ "واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم "ففيه تفصيل آخر .                                        ابليس كان جنيا طائعا لله ،كان يعبد الله على شاكلة الملائكة ،فأصبح قرينا لهم لطاعته وقربه من الله عز وجل ،وكان أمر الله للملائكة بالسجود لآدم أمرا موجها لكل الحضور ،وليس أمرا موجها لفئة دون فئة ،قال ـ تعالى ـ "واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين "في هذه الآية لغز شديد البساطة ،الا وهو قوله "قلنا للملائكة "اذ أن الله ـ تعالى ـ لما خلق آدم أمر الجميع بالسجود تكريما له ،وكان من الحضور ابليس فالله أطلق أمره للجميع "اسجدوا لآدم "ولم يقل ياملائكة أو ياابليس ،فالامر اذن لكل شاهد ،أما حينما روى لنا ـ سبحانه ـ جرت الآية مجرى ما اعتاد عليه العرب من التغليب والترجيح في الصيغ الحكائية ،فمثلا نحن نقول للتلاميذ في الفصول المشتركة (اجلسوا)وبينهم تلميذات فلم نقل (اجلسن) تغليبا لصفة الذكورة على صفة الأنوثة ،وقال ـ تعالى ـ "ياأيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة "بصفة التذكير مع كون الأمر بالصلاة منسحب أيضا على النساء ،كذلك في الآية "قلنا للملائكة اسجدوا "فالأمر كان لجموع الحاضرين ولم يكن للملائكة فقط ،ولكن جاء التعميم والتغليب حال الرواية قلنا للملائكة ولم يقل وابليس جريا على ما اعتاد عليه العرب في لغتهم ،والدليل على أن الله لم يقل ياملائكة "تحديدا "اسجدوا لآدم أن ابليس لم يحتج بذلك ،فلم يقل يارب أنت قلت يا ملائكة وأنا لست من الملائكة بل أنا جني ،بل احتج بشيئ مغاير تماما ألا وهو قوله "أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين ".                                                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق